فصل: الطرف السابع في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين اتباع المهدي بن تومرت المستمر بقاياهم بتونس وسائر بلاد إفريقية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف الخامس في الكتب الصادرة عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية:

وفيه ثلاث جمل:
الجملة الأولى في الكتب الصادرة عنهم على سبيل الإجمال.
الجملة الثانية في الكتب العامة.
وهي على أسلوبين:
الأسلوب الأول: أن يفتتح الكتاب بلفظ من عبدالله ووليه أبي فلان فلان ذ الفلاني على ما تقدم ترتيبه.
الأسلوب الثاني: أن يفتتح الكتاب بخطبة مفتتحة بالحمد لله.
الجملة الثالثة في الكتب الخاصة، كالمكاتبة الى الوزير ومن في معناه.

.الطرف السادس في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية بالأندلس:

.الطرف السابع في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين اتباع المهدي بن تومرت المستمر بقاياهم بتونس وسائر بلاد إفريقية:

وهي على أسلوبين:
الأسلوب الأول: أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان:
من أمير المؤمنين أيده الله بنصره وأمده بمعونته إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعد وفقه الله ويسره لما يرضاه سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فالحمد لله الذي له الاقتدار والاختيار، ومنه العون لأوليائه والإقدار، وإليه يرجع الأمر كله فلا يمنع منه الاستبداد والاستئثار. والصلاة على محمد نبيه الذي ابتعثت بمبعثه الأضواء والأنوار، وعمرت بدعوته الأنجاد والأغوار، وخصم بحجته الكفر والكفار، وعلى آله وصحبه الذين هم الكرام الأبرار، والمهاجرين والأنصار، والرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، القائم بأمر الله حين غيرته الأغيار، وتقدم الامتعاض له والانتصار. وهذا كتابنا كتب الله لكم نظراً يريكم المنهج، ويلفيكم الأبهج فالأبهج، وآتاكم الله من نعمة الإيمان، وعصمة الانقياد له والإذعان، ما تجدون به اليقين والثلج من حضرة مراكش حرسها الله تعالى، ولا استظهار إلا بقوته وحوله، ولا استكثار إلا من إحسانه وطوله.
ولما جعل الله هذا الأمر العظيم رحمةً لخلقه، ومطية لرقيه وقرارةً لإقامة حقه، وحمل حملته الدعاء إليه، والدلالة به عليه، والترغيب في عظيم ما عنده ونعيم ما لديه، وجعل الإنذار والإعذار من فصوله المستوعبة، وأحكامه المرتبة، ومنجاته المخلصة من الخطوب المهلكة والأحوال المعطبة رأينا أن نخاطبكم بكتابنا هذا أخذاً بأمر الله تعالى لرسوله في المضاء إلى سبيله، والتحريض على اغتتام النجاء وتحصيله، وإقامة الحجة في تبليغ القول وتوصيله، فأجيبوا رفعكم الله داعي الله تسعدوا، وتمسكوا بأمر المهدي رضي الله عنه في اتباع سبيله تهتدوا، واصرفوا أعنة العناية إلى النظر في المآل، والتفكر في نواشيء التغير والزوال، وتدبروا جري هذه الأمور وتصرف هذه الأحوال، واعلموا أنه لا عزة إلا بإعزاز الله تعالى فهو ذو العزة والجلال. {ولا يغرنكم بالله الغرور} فالدنيا دار الغرور، وسوق المحال، وليس لكم في قبول النصيحة، وابتداء التوبة الصحيحة، والعمل بثبوت الإيمان في هذه العاجلة الفسيحة، إلا ما تحبونه في ذات الله تعالى من الأمنة والدعة، والكرامة المتسعة والمكانة المرفعة، والتنعيم بنعيم الراحة المتصلة والنفس الممتنعة. فنحن لا نريد لكم ولسائر من نرجو إنابته، ونستدعي قبوله وإجابته، إلا الصلاح الأعم، والنجاح الأتم. وتأملوا سددكم الله من كان بتلك الجزيرة حرسها الله من أعيانها، وزعماء شانها، هل تخلص منهم إلى ما يوده، وفاز بما يدخره ويعده، إلا من تمسك بهذه العروة الوثقى، واستبقى لنفسه من هذا الخير الأدوم الأبقى، وتنعم بما لقي من هذا النعيم المقيم ويلقى؟ وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه، ورغب بنفسه عن هذا الأمر العزيز إلى ما سواه، فقد علم بضرورتي المشاهدة والاستفاضة سوء منقلبه، وخسارة مذهبه ومطلبه، وتنقل منه حادث الانتقام أخسر ما تنقل به. وحق عليكم وفقكم الله ويسركم لما يرضاه أن تحسنوا الاختيار، وتصلوا الادكار والاعتبار، وتبتدروا الابتدار. وما حق من انقطع إلى هذا الأمر الموصول الواصل، وأزمع ما يناله من خيره المحوز الحاصل، أن يناله منكم شاغلٌ يشغله عن مقصوده، ويحيط به ما يصرفه عن محبوبه ومودوده، فقد كان منكم في أمر أهل بلنسية حين إعلانهم بكلمة التوحيد، وتعلقهم بهذا الأمر السعيد ما كان، ثم كان منكم في عقب ذلك ما اعتمدتموه في أمر أهل لورقة وفقهم الله حين ظهر اختصاصهم، وبان إخلاصهم. وليس لذاك وأمثاله عاقبةٌ تحمد، فالخير خير ما يقصد، والنجاة فيما ينزح عن الشر ويبعد. وإنا لنرجو أن يكفكم عن ذلك وأشباهه إن شاء الله تعالى نظرٌ موفق، ومتاعٌ محقق، ويجذبكم إلى موالاة هذه الطائفة المباركة جاذبٌ يسعد، وسائق يرشد، والله يمن عليكم بما ينجيكم، ويمكن لكم في طاعته أسباب تأميلكم وترجيكم، بمه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب في السادس عشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
الأسلوب الثاني: أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد:
والأمر فيه على نحو ما تقدم في الأسلوب قبله بعد البعدية، كما كتب أبو الميمون عن المستنصر بالله، أحد خلفائهم إلى بعض نوابه، وقد نقض العهد على بعض المهادنين من النصارى.
أما بعد حمد الله الآمر بالوفاء والعهود، والصلاة على سيدنا محمد المصطفى الكريم سيد الوجود، وعلى آله وصحبه ليوث البأس وغيوث الجود، والرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، الآتي بالنعت الموجود في الزمن المحدود، وعن خلفائه الواصلين بأمره إلى التهائم والنجود، والدعاء لسيدنا الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين بسعدٍ تذل له النواصي، ويهد الأقطار القواصي، فكتبناه كتبكم الله ممن إذا همٌ بأمر تدبر عواقبه، وإذا عزم على ركوب غررٍ ألفى معاطبه من فلانة كلأها الله تعالى. وقد بلغنا ما كان منكم من اكتساح النصارى، والزيادة على ذلك باختطاف الأساري، ونعوذ بالله من شهوةٍ تغلب عقلاً، ونخوةٍ تعقب هواناً وذلاً. وقد أخطأتم في فعلتكم الشنعاء من ثلاثة أوجه، أحدها أنه خلاف ما أمر الله تعالى به من الوفاء بالعهد، والوقوف مع العقد. والثاني عصيان الأمر العزيز وفيه التعزيز بالمهج، وترك السعة للحرج. والثالث أنكم تثيرون على أنفسكم من شر عدوكم قصمه الله شرراً يستعر، وضرراً يعدم فيه المنتصر، فليتكم إذ تجليتم بالعصيان، ورضيتم الغدر المحرم في سائر الأديان، ثبتم للعدو إذا دهمكم، ولقيتموه بالجانب القوي متى زحمكم، بل تتدرعون له الفرار، وتتركونه في مخلفيكم وما اختار. وقد جربتم مراتٍ أنكم لا ترزؤونهم ذرة، إلا رزؤوكم ألف بدرة، ولا تصيبونهم مرة، إلا أصابكم ألف مرة. وإلى متى تنهون فلا تنتهون؟ وحتام تنبهون فلا تنتبهون؟ فإذا وافاكم كتابنا هذا بحول الله وقوته فأدوا من أسرتم إلى مأمنه، وردوا ما انتهبتم إلى مسرحه، ولا تمسكوا من الأسارى بشعرة، ولا من الماشية بوبرة. ومن سمعنا عنه بعد وصول هذا الكتاب أنه تعدى هذا الرسم، وخالف هذا الحكم، أنفذنا عليه الواجب، وحكمنا فيه المهند القاضب، فلتسرع من نومة الغفلة إفاقتكم، ولا تتعرضوا من الشر لما تعجز عنه طاقتكم، ونحن معترفون ما يكون منكم من تأنٍّ أو بدار، ومقابلون لكم بما يصدر عنكم من إقرار وإنكار، وهو يرشدكم بمنه. والسلام عليكم ورحمة الله.
قلت: ثم طرأ بعد ذلك الإكثار من ألقاب خلفائهم في المكاتبات الصادرة عنهم، والمبالغة في مدحهم، وإطراحهم على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات الواردة من ملوك الأقطار إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية فيما بعد إن شاء الله تعالى.

.الطرف الثامن في الأجوبة:

وهي على ضربين:
الضرب الأول: ما يضاهي الأجوبة في الابتداء:
وهو على أسلوبين:
الأسلوب الأول: أن يفتتح الجواب بلفظ من فلان إلى فلان:
مثل أن يكتب من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى آخر الصدر على ما تقدم في الابتداءات، ثم يقال: أما بعد، وينساق منه إلى ذكر الكتاب الوارد وعرضه على الخليفة، وما اقتضته آراء الخلافة فيه، ويكمل على نحو الابتداء. كما كتب عن المقتفي لأمر الله، إلى غياث الدين مسعود بن ملكشاه السلجوقي في جواب كتابه الوارد عليه، يخبره بأن بعض من كان خرج عن طاعته دخل فيها، وانحاز إليه، وهو: من عبد الله أبي عبد الله محمد الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين، إلى فلان بألقابه.
أما بعد أطال الله بقاءك فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين معرباً عن أخبار سعادتك، وجري الأمور على إرادتك، وبلوغ الأغراض من الوجهة التي توجهت إليها، والأطراف التي أشرقت سعادتك عليها، بميامن ما تثق به من الطاعة الإمامية وتضمره، وتعتقده من الإخلاص وتستشعره وأن ركن الدين محمداً ومن انضم إلى جملته وانتظم في سلك موافقته لما ظفروا منك بذمام اطمأنوا إليه وسكنوا، وأمان وثقوا به وركنوا، أبصروا الرشد فاتبعوه، واستجأبوا الداعي إذ سمعوه، وأذعنوا لطاعتك مسرعين، وانقادوا إلى متابعتك مهطعين، على استقرار مسيرهم تحت لوائك إلى باب همذان ليكون تقرير القواعد الجامعة للمصالح عند وصولها، والتوفر على تحري ما تقر به الخواطر مع حلولها، والانفصال إلى من يفد إلى الأبواب العزيز ومؤتنساً بقرب الدار، ومستسعداً بالخدمة الشريفة الإمامية المؤذنة ببلوغ الأوطار. ووقف عليه وعرف مضمونه، وجدد ذلك لديه من الابتهاج، والاغتباط الواضح المنهاج، ما تقتضيه ثقته بجانبك واعتقاده، وتعويله على جميل معتقدك واعتماده، واعتضاده من طاعتك بحبلٍ لا تنقض الأيام مبرمه، وسكونه من ولائك إلى وزر لا تروع المخاوف حرمه وواصل شكر الله تعالى على ما شهدت به هذه النعمة العميمة، والموهبة الجسيمة، من إجابة الأدعية التي ما زالت جنودها نحوك مجهزة، ووعوده جلت عظمته بقبول أمثالها منجزة، وإمدادك منها بأمدادس تستدعي لك النصر وتستنزله، وتستكمل الحظ من كل خير وتستجزله، وتبلغ الأمل منك فيمن هو العدة للملمات، والحامي لتقرير الأنس من روائع الشتات، ومن ببقائه تكف عن الامتداد أكف الخطوب، وتطلق وجوه المسار من عقل القطوب، ويأبى الله العادل في حكمه وحكمته، الرؤوف بعباده وخليقته، إلا إعلاء كلمة الحق بالهمم الإمامية، والإجراء على عوائد صنيعته الحفية، الكافلة بصلاح العباد والرعية، وقد أقيمت أسواق التهنئة بهذه البشرى، وأفادت جذلاً تتابع وفوده تترى، لا سيما مع الإشارة إلى قرب الأوبة التي تدني كل صالح وتجلبه، وتزيل كل خلل أتعب القلوب وتذهبه. وإلى الباري جل اسمه الرغبة في اختصاصك من عنايته بأحسن ما عهدته وأجمله، وصلة آخر وقتك في نجح المساعي بأوله، وأن لا يخلي الدار العزيزة من إخلاصك في ولائها، ورغبتك في تحصيل مراضيها وشريف آرائها.
هذه مناجاة أمير المؤمنين أدام الله تأييدك ابتغى الله جزاءك فيها على عادة تكرمته، وأعرب بها عن اعتقاده فيك وطويته، ومكانك الأثيل في شريف حضرته، وابتهاجه بنعمة الله عندك وخيرته فتأملها تأملاً يشاكل طاعتك الصافية من الشوائب والأقذاء، وتلقها بصدق الاعتماد عليها وحسن الإصغاء، تفز بالإصابة قداحك، ويقرن بالتوفيق مغداك ومراحك، إن شاء الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وكما يكتب بعض كتاب الفاطميين عن الحافظ لدين الله، أحد خلفائهم إلى شمس الدولة أبي منصور محمد بن ظهير الدين بن نوري بن طغتكين، ببعلبك جواباً عن كتابة الوارد عنه على الخليفة، ويذكر أنه حسن لفخر الملك رواج وروده على الخليفة بالديار المصرية، ويذكر نصرته على الفرنج بطرابلس، وقتله القومص ملكها.
من عبد الله ووليه عبد المجيد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، إلى أمير فلان.
أما بعد، فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين كتابك من يد فتاة ووزيره، وصفيه وظهيره، السيد الأجل الأفضل، الذي بذل نفسه في نصرة الدين تقى ولياناً، وأوضح الله الدولة الحافظية بوزارته حجةً وبرهاناً، وأسبغ النعمة على أهلها بأن جعله فيهم ناظراً ولهم سلطاناً، ووفقه في حسن التدبير، والعمل بما يقضي بمصالح الصغير والكبير وبما أعاد المملكة إلى أفضل ما كانت عليه من النضرة والبهجة، ولم يخرج المادحون لها إذا اختلفوا عن التحقيق وصدر اللهجة، فقد ساوت سياسته بين البعيد والقريب، وأخذ كلٌّ منهما بأجزل حظ وأوفر نصيب، وسارت سيرته الفاضلة في الآفاق مسير المثل، واستوجب من خالقه أجر من جمع في طاعته بين القول والعمل. وشفع عرضه من وصفك وشكرك، والثناء عليك وإطابة ذكرك، وأنهى ما أنت عليه من الولاء، وشكر الآلاء، بما يضاهي ما ذكرته فيه مما علم عند تلاوته، وأصغي إليه عند قراءته. وقد استقر بحضرة أمير المؤمنين مكانك من المشايعة، وموقعك من المخالصة وكونك من ولاء الدولة على قضية كسبتك شرفاً تفيأت ظلاله، وأفاضت عليك ملبساً جررت أذياله، وسمت بك إلى محل لا يباهى من بلغه ولا يطأول من ناله، وكنت في ذلك سالكاً للمنهج القويم، ومعتمداً ما أهل بيتك عليه في القديم، ولا جرم أنه عاد عليك من حسن رأي أمير المؤمنين بما تقصر عنه كل أمنية، ويشهد لك بمخالصةٍ جمعت فيها بين عملٍ ونية، والله يضاعف أجرك على اعتصامك من طاعة أمير المؤمنين، بالحبل المتين، ويوزعك شكر ما منحك من الاستضاءة بنور الحق المبين.
فأما الأمير الأسفهسلار فخر الملك رواج وبعثك له على الوصول إلى الباب، وحضك إياه على التعلق من الخدمة بمحصد الأسباب، فما كان الإذن له في ذلك إلا لأن كتابه وصل بملتمسه، وعرض فيه نفسه وبذلك المناصحة والخدمة، ويسأل سؤال من يعرف قدر العارفة بالإجابة إليه وموقع النعمة، فأجيب إلى ذلك إسعافاً له بمراده، وعملاً برأي الدولة فيمن يرغب إلى التحيز إليها من أقطاره وبلاده، وإلا فلا حاجة لها إليه ولا إلى غيره، لأن الله تعالى وله الحمد وفر حظها من الأولياء والأشياع، والأنصار والأتباع، والعساكر والجيوش والأجناد والأنجاد، والأعوان الأقوياء الشداد، وعبيد الطاعة الذين يتبارون في النصح ويتنافسون في الاجتهاد والحرص، وسعة الأموال، وعمارة الأعمال، وجمع الرجال في العزائم بين الأفعال والأقوال ولو وصل المذكور لكانت المنة للدولة عليه، والحاجة له في ذلك لا إليه، قال الله عز من قائل: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} وأما توجهه إلى طرابلس وظفره بقومصها وقتله إياه مع من بها، وعظيم أمره فيها، فالله تعالى يعز الإسلام وينشر لواءه، ويعلي مناره ويخذل أعداءه، وينصر عساكره وأجناده، ويبلغه في أحزاب الكفر والضلال مراده، وهو عز وجل يمتعك من الولاء بما منحك، وينيلك في دينك ودنياك أملك ومقترحك، فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى.
الأسلوب الثاني: أن يفتتح الجواب بلفظ أما بعد:
كما يكتب عن المقتفي إلى السلطان محمود بن محمد السلجوقي جواباً عن كتابه الوارد بإخباره باجتماعه مع عمه سنجر، ونسخته:
أما بعد، فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين ناطقاً بدرك الأوطار، وحصول المقاصد على الآثار، وما أنهيته من الاجتماع بعز الدنيا والدين جمع الله في طاعته شملكما ووصل بالألفة والتوادد حبلكما! ومن إكرام الوفادة الذي أنت أهله ووليه، وحقيقٌ أن يتبع وسميه لديك وليه، والموافقة على كل حال آذنت ببلوغ الأغراض وتيسرها، ونجاز المساعي على أتم وفاق وتقررها، وانتظام الأمور على أجمل معتاد وأكمل مراد، وأحسن اتساق واطراد، واستقرار القواعد على الوصف الجامع أشتات الاتفاق، الدال على صدق المحافظة بينكما وفرط الإشفاق، محفوفاً بالسعادة التي لا تزال مآثرك في الطاعة الإمامية تملك قيادها، وتقلدك على الاتصال نجادها، فتهللت بهذا النبإ المبهج أسرة البشرى، وأصبح الجذل بمكانه أفعم عرفاً وأذكى نشراً، وقامت لأجله في عراص الدار العزيزة مواسم، أضحت المسرة بها مفترة الثغور ضاحكة المباسم، وجديرٌ بمن كان له من الهمم الشريفة مددٌ وافٍ، ومنجدٌ يدفع في صدر كل خطب موافٍ، أن تكتنفه الميامن والسعود، ويصدق في كل مرمًى ينحوه من النجح الموعود، وتنقاد له المصاعب ذللاً، ويعود بيمن نقيبته كل عافٍ من الصلاح جديداً مقتبلاً ولا ينفك صنع الله جل اسمه لطيفاً، وبرباعه محدقاً مطيفاً، والتوفيق مصاحبه أنى حل وثوى، أو ثنى عنانه إلى وجهٍ ولوى، والله يمتع أمير المؤمنين منك بالعضد الذي يذب عن دولته ويحامي، ويناضل دونها بجنود الإخلاص ويرامي، ولا يخليك من رعايته التي لا يزال يستقر فيها إليك، ويرغب إليه في إسباغ لباسها عليك، حتى تتسنى لك المطالب معا، ويغدو الزمان فيما ينشأ متبعاً.
هذه مفاوضة أمير المؤمنين إليك، أدام الله تأييدك، أجراك فيها على مألوف العادة، وجدد لك بها برود الفخار والسعادة، فاجر على وتيرتك في إتحاف حضرته بطيب أخبارك، ومجاري الأمور في إيرادك وإصدارك، تهد إليها ابتهاجاً وافراً، وابتساماً يظل لثامه عن حمد الله المسند بها سافراً، إن شاء الله تعالى.
الضرب الثاني: أن يكون الافتتاح في الجواب مصدراً بما فيه معنى وصول المكاتبة إلى الخليفة:
دلالة الافتتاح على وصول المكاتبة:
فقد جرت عادة المتقدمين من الكتاب في التعبير عن ذلك بلفظ العرض على الخليفة ويؤتى فيه على ما تضمنه الكتاب المجاب عنه، ثم يختم كما تختم الابتداآت.
كما كتب العلاء بن موصلايا عن القائم بأمر الله إلى أتسز عند ورود كتابه على أبواب الخلافة يتضمن انتظامه في سلك الطاعة وغلبته الأعداء، وهو:
عرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منك دالاً على تمسكك من الطاعة الإمامية بما لا تزال تجد فيه ملابس التوفيق حالاً بعد حال، وتجد به مرائر السعد محصفة في كل حلٍّ وترحال، منبئاً عن توفرك على المقامات التي انتقمت بها للهدى من الضلال، واستقمت فيها حتى أجلت عن كل صلاح ممتد الظلال، شاهداً بما أنت عليه من موالاةٍ لا تألو جهداً في التزام شروطها بادئاً عائداً، ولا تخلو فيها من حسن أثرٍ يكون لدعائم الصواب عامداً، وترى فيه قاصداً لاجتلاب الخير عائداً. ووقف عليه وقوف من ارتضى ما يتوالى من قرباتك التي لا تزال في إعذاب ورودها ساعياً. ولما يفضي إلى إعشاب مرعاها في طلب الحمد مراعياً وانتضى منك للخدمة بتلك الأعمال حساماً باتراً آجال بقايا الكفر هناك، ماضياً في كل ما يقضي بانفساح مجال آمالك في الدهر ومبارك، واعتد لك بما أنهاه عنك رسول الله أمير المؤمنين العائد من قبلك، وأوضحه من زلفك التي شفع قولك فيها عملك، وطالع به الرسول الذي نفذته معه لقصد بابه، والمناب في تأكيد دواعي النجح وتمهيد أسبابه، وحل كل ذلك لديه المحل الذي ستجني ثمره كلما يطيب ويحلو، ويسلم من كل الاستزادة ويخلو، ويعز مهر الفوز به على غيرك ويغلو، وتأثل لك من الرتبة بحضرته ما يدني لك كل مطلب إلى مرادك آثل، ويدوي قلب كل منحرف عن وفائك مائل، وصرت من أعيان الخلصاء الذين وسمت الهدى أفعالهم بالحمد، وسمت بالطاعة آمالهم إلى توقل هضاب المجد، فما تم بك الغير إلا وتنقطع دونك أعناقها، وترجع في جلباب الخيبة وحيصها إليك وإعناقها، ولا تمتد نحوك يد ضد إلا ردها عنك جميل الآراء الشريفة فيك وغلها، وأوجب نهلها عن موارد القصور وعلها وكيف لا يكون ذاك ولك في الطاعة كل موقفٍ اغتذى بلبان الحمد، واعتنى باشتهاره بلوغ المدى في وصفه والحد؟ فأحسن الله توفيقك فيما أنت بإزائه من إخماد لهب الباطل بتلك الشعاب، وإجهاد النفس في إخمال المتاعب وإذلال الصعاب، وأمدك بالعون على ما بدأت له من جب........... فيما يليك، وطب أدواء الفساد في نواحيك. ومع ما فزت به من هذه المنحة التي قد جاز قدرها التقدير والظن، وجاد لك الدهر فيها بما كان شح به على أمثالك وضن فيجب أن تستديمها، وتحصن من النغل أديمها، بمزيدٍ من الخدمة تنتهز الفرص بالإسراع إليه والبدار، وتنتهج أقوم الجدد في مقابلة الإيراد منه بالإصدار، وتنفد وسعك في كل مسعًى ينثني إليك عنان الثناء معه، وتنفق عمرك في كل أمرٍ يجمع لك مرأى الرضا عنك ومسمعه، لتجد من جدوى ذلك ما ينظم في السعادة شملك، ويضحى به القياد فيما يصدق أملك أملك، وأن تحمد السيرة في الرعايا الذين غدوا تحت كنفك، وتجعل الاشتمال على مصالحهم معرباً عن فضل شغفك بالخير وكلفك، فإنهم ودائع الله تعالى يلزم أن تحمى من ضياع يتسلط عليها في حال، وتحيا من در الإحسان برضاعٍ لا يخطر الفطام عنه ببال فلا تقفن عند غاية في إفاضة الفضل عليهم وإسباغ ظله، واعتمادهم بتخفيف ثقل الحيف عنهم أو إزالة كله، ليكونوا في أفياء الأمن راتعين، ولخرق كل ملم بحسن ملاحظتك راقعين فالذي يراه أمير المؤمنين في فرضك حتى يزداد باعك طولاً، ولا يترك لك على الزمان اقتراحاً ولا سولاً، يقتضي أن يتبع كل سابقٍ إليك من الإحسان بلاحق، ويمرع جناب النعمى لديك عند ذر كل شارق. وكذلك يرى أن يجدد لك من تشريفه المنور مطالع الفجر، المنوه بالذكر في الدهر، الذي لا تزال الهمم العالية تصبو إلى الفوز به وتميل، وتقف عند حد الرجاء والتأميل، ما أصحب رسولك المشار إليه لتدرع من خلاله ما الشرف الأكبر في مطاويه، وتمتطي من صهوة العز فيه ما يبعد على النظراء إدراك مراميه. ويجب أن تتلقى مقدم ذلك عليك بما ينبيء عن اقتران النعمة الغراء فيه، وأقمار أهلة التوفيق عندك بما تقصد في المعنى وتنتحيه وإذا عاد رسولك إلى باب أمير المؤمنين حسب ما ذكرت، أصدر على يده من ضروب التشريفات ما يقر فيك عيون من يودك، ويقر في مغانيك كل سعد يوري فيه زندك فاسكن إلى حبائك بالمزيد من كل رتبة أهلت لها، وكن بحيث الظن فيك توقر عليك أقسام الحمد كلها، وثق بمترادف آلاءٍ ينضم لديك شملها، ويثقل كل كاهلٍ حملها، إن شاء الله تعالى.